هناك بعض الأعمال يحرم على المسلم إذا لم يكن على طهارة أن يزاولها لشرفها ومكانتها .
فالأشياء التي تحرم على المحدث حدثا أصغر ، أو أكبر :
(1) مس المصحف الشريف ، فلا يمسه المحدث بدون حائل ؛ لقوله-تعالى-: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79] أي : المتطهرون من الحدث جنابة أو غيرها ، على قول بعض العلماء .
وحتى لو فسرت الآية بأن المراد بهم الملائكة ، فإن ذلك يتناول البشر بدلالة الإشارة ، ولما ورد في الكتاب الذي كتبه الرسول لعمرو بن حزم قوله : (( لا يمس المصحف إلا طاهر )) رواه النسائي وغيره متصلاً بإسنادٍ صحيح .
ولا بأس أن يحمل غير المتطهر المصحف في غلاف أو كيس من غير أن يمسه ، وكذلك لا بأس أن ينظر فيه ، ويقرأ بقلبه ، ويتصفحه من غير مس .
(2) الصلاة فرضاً أو نفلاً ، وهذا بإجماع أهل العلم ، إذا استطاع الطهارة ؛ لقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا.. [المائدة: 6].
ولما روى ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي قال : (( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )) رواه مسلم وغيره .
لكن العالم العامد إذا صلى من غير طهارة يأثم ويعزر ، وإن كان جاهلاً أو ناسياً ، فإنه لا يأثم ، لكن لا تصح صلاته .
وأما الأشياء التي تحرم على المحدث حدثاً أكبر خاصة ، فهي :
(1) قراءة القرآن للجنب ؛ لحديث علي : (( كان لا يحجبه - يعني النبي عن القرآن شيء ، ليس الجنابة )) رواه الترمذي ، وغيره ، وقد ورد عن عمر صححه البيهقي ، وورد عن علي موقوفاً رواه الدارقطني وصححه .
أما الحائض والنفساء فلهما القراءة ؛ لعدم الدليل المانع ، وما ورد من الأحاديث المانعة فضعيفة .
ولا بأس أن يتكلم المحدث بما وافق القرآن إن لم يقصد القرآن بل على وجه الذكر ، مثل : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، لحديث عائشة - رضي الله عنها -: (( أن النبي كان يذكر الله على كل أحيانه )) متفق عليه .
(2) ويحرم على المحدث حدثاً أكبر من جنابة أو حيض أو نفاس اللبث في المسجد بغير وضوء ؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] أي : لا تدخلوا المسجد للبقاء فيه .
ولقوله لعائشة لما حاضت : (( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ، حتى تطهري )) متفق عليه ، فمنعت من الطواف ؛ لمنعها من المسجد ، ولحديث عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت : (( كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله بإخراجهن من المسجد )) ، عزاه ابن قدامة في "المغني" لأبي حفص العكبري ، وقال في "الفروع" : " إسناد جيد ".
ولحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت : قال رسول الله : (( ناوليني الخمرة من المسجد ، قالت : فقلت : إني حائض ، فقال : إن حيضتك ليست في يدك )) رواه مسلم .
فإذا توضأ من عليه حدث أكبر جاز له اللبث في المسجد ؛ لقول عطاء بن يسار رحمه الله : " رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة " رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن .
والحكمة من هذا الوضوء : تخفيف الجنابة .
وكذلك يجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمر بالمسجد لمجرد العبور منه أو أن يدخل لحاجة من غير جلوس فيه ، لقوله تعالى: إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ .. [النساء: 43] ، أي : متجاوزين فيه للخروج منه ، والاستثناء من النهي إِباحة .